تفكروا في آيات الله وكيف بسط الله عز وجل الأرض، وجعل فيها الجبال والوهاد والأودية، والمنخفضات والمرتفعات والرمال والأبطحة، والمعادن التي في جوفها والمياه، وما شابه ذلك.فلو أن الإنسان أخذ يتدبر في هذه المخلوقات وأخذ يكرر ذلك لحفظ وقته من الضياع، وازداد يقينا وقوي إيمانه، ولم تتطرق إلى عقله الشكوك والتخيلات الشيطانية. اختار بعض العلماء أن وقت الختان في يوم الولادة، وقيل في اليوم السابع، فإن أخر ففي الأربعين يوما، فإن أخر فإلى سبع سنين وهو السن الذي يؤمر فيه بالصلاة، فإن من شروط الصلاة الطهارة ولا تتم إلا بالختان، فيستحب أن لا يؤخر عن وقت الاستحباب.أما وقت الوجوب فهو البلوغ والتكليف، فيجب على من لم يختتن أن يبادر إليه عند البلوغ ما لم يخف على نفسه إن أهمية الوقت معلومة عند كل عاقل؛ ذلك أن وقت الإنسان هو رأسماله، وهو عمره أيامه ولياليه، فإذا ما ضاع رأس المال، ضاعت الأرباح، وإذا عرف الإنسان ذلك، حرص على أن يستغلها ويستفيد منها وألا يضيعها، ليكون بذلك رابحا إذا عرف الصغير ربه، وعظم قدر ربه في قلبه، نشأ على طاعة الله تعالى، ونشأ على محبته، وأحب عبادة الله وعظمها في صغره، وسهلت عليه وداوم عليها في كبره، وكره المعصية ونفر منها، وكره كل ما نهى الله تعالى عنه؛ حيث أن آباءه يعلمونه الخير ويؤدبونه عليه القلوب أوعية؛ منها ما يستوعب الخير، ومنها ما يستوعب الشر. وأفضل القلوب هي التي تمتلئ بالخير،تمتلئ بالعلم وتمتلئ بالدين والعبادة، تمتلئ بالعلم النافع والعقيدة السليمة، هذه هي القلوب الواعية، وهي أرجى القلوب لتحصيل الخير
درس في الجمعة مع بلوغ المرام
6030 مشاهدة
ما يقطع الصلاة


باب الحث على الخشوع في الصلاة. وعن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد رواه البخاري . وللترمذي وصححه إياك والالتفات في الصلاة فإنه هلكة فإن كان لا بد ففي التطوع .


نكمل الكلام على ما يقطع الصلاة. ذكر في هذا الحديث أنه يقطع الصلاة هذه الثلاثة: المرأة، والحمار، والكلب الأسود قد اختلف في القطع، هل تبطل الصلاة ويستأنفها؟ إذا مرت بين يديه امرأة أبطلت صلاته، ووجب عليه أن يستأنف صلاته، أن يبدأها من أول؟ أم أنها لا تقطع الصلاة؟ اشتهر هذا الحديث عن عبد الله بن عمر وأبيه عبد الله وغيرهم من الصحابة أنهم رووا هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يقطع الصلاة: المرأة والحمار والكلب .
بلغ ذلك عائشة فأنكرت عليهم ذكر المرأة، وقالت: شبهتمونا بالحمير والكلاب. وفي رواية: إن المرأة لدابة سوء؛ يعني في تقديركم. ثم ذكرت أنه صلى الله عليه وسلم كان يصلي، ويستقبل السرير الذي هي نائمة عليه. تنام على سرير فيصلي ويجعل ذلك السرير سترة له وهي على السرير، تذكر أنه يبدو لها حاجة فتنسل من الفراش؛ كراهة أن تستقبله. قالت: والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح ؛ أي ما فيها سرج ولا أنوار. إذا بدت لها حاجة انسلت من السرير؛ أي من قبل رجلي السرير حتى لا تقابله ويتأذى بها، فجعلت استقباله لها، وهي على السرير دليلا على الجواز، وأنها لا تقطع الصلاة.
ذكرت أيضا في حديث آخر: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي، وهي على فراشها تمد رجليها في قبلته؛ وذلك لضيق المكان. فإذا مدت رجليها وأراد أن يسجد غمزها فقبضت رجليها حتى يسجد، فإذا قام وقف للقراءة بسطت رجليها، قالت:والبيوت يومئذ ليس فيها مصابيح، ما عندهم سرج يوقدونها ينورون بها، فلا تشعر إلا وقد غمزها إذا أراد السجود؛ فجعلت هذا دليلا على أنه لا يقطع الصلاة مرور المرأة.
الذين قالوا: إنها تقطع الصلاة، قيدها بعضهم بالمرأة الحائض، قال: المرأة الحائض. مذكور أيضا في بعض روايات الأحاديث، واختلف في معنى المرأة الحائض؛ فقيل: هي التي عليها الدورة؛ يعني حائضا في تلك الحال، ولكن الحائض لا يدري أنها حائض؛ وذلك لأن الحيض شيء خفي، قد لا يعرفه أخواتها وإخوتها وإنما هي التي تعرفه، فالذي تمر بين يديه لا يدري هل هي حائض أم لا؟ وإذا سألها فقد تستحيي؛ فلذلك قال بعضهم: الحائض هي البالغة، المرأة الحائض؛ يعني التي قد حاضت؛ أي قد بلغت سن المحيض.
فإن هذا هو الأصل أنه لا يقطع الصلاة إلا إذا كانت قد حاضت؛ يعني قد بلغت. وتسمى البالغة حائضا. ففي الحديث الآخر لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار ؛ أي صلاة من قد حاضت لا بد أن يكون عليها خمار إذا كانت قد حاضت، معلوم أنها إذا كانت في الحيض فلا صلاة عليها، لا مع جماعة ولا في البيت فدل على أن قوله: المرأة الحائض أن المراد التي قد بلغت أي سن المحيض.
ثم يدل على ذلك أيضا ما ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مرة يصلي فجاء غلام ليمر قدامه فأشار إليه فرجع، وجاءت جارية لتمر بينه وبين سترته فأشار إليها ولكنها ما توقفت ولا رجعت، بل مرت بسرعة، ومرت بينه وبين سترته، ولم يقطع صلاته. قيل: لأنها صغيرة؛ وذلك لأنها جارية صغيرة لم تتحجب، وقيل: إنها لا تقطع الصلاة؛ يعني لا تبطلها؛ وذلك لأن القطع قد يعبر عنه بالتنقيص ففي قوله: يقطع الصلاة ؛ يعني ينقص أجرها. هكذا قال بعضهم.
ورد في ذلك أيضا حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يقطع الصلاة شيء، وادرءوا ما استطعتم ؛ أي ادفعوا من يمر وردوه ما دمتم تقدرون على رده؛ فعلى هذا إذا كان الإنسان يصلي، وأراد أحد أن يمر بين يديه؛ أي بينه وبين سترته فعليه أن يرده ما استطاع، وأن يشير إليه ليرجع؛ وذلك لأنه آثم عاص بمروره. وقد ورد ذلك في حديث أنه صلى الله عليه وسلم قال: إذا كان أحدكم يصلي إلى سترة فأراد أحد أن يمر بين يديه فليدرأه ما استطاع، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان وفي رواية: فإن معه القرين ؛ يعني أنه الذي يدفعه هو الشيطان. يريد الشيطان أن ينقص أجر المصلي، فجاء ليدفع هذا المار حتى يعبر ويمر بين يدي هذا المصلي.
وفي حديث آخر أن: أبا سعيد كان يصلي إلى سارية، فأراد غلام من بني مروان أن يمر بين يديه فدفعه، ثم أراد أن يمر فدفعه بقوة؛ فاشتكاه إلى مروان -وكان أميرا على المدينة ولما اشتكاه قال أبو سعيد إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا أراد أحد أن يمر بين يدي المصلي فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان .
وقد عرفنا أن الحكمة في ذلك -منعه من أن يمر- حتى لا ينقص أجر المصلي، وأما الحمار فقد قال بعضهم: إنه لا يقطع، واستدل بحديث ابن عباس وفيه أنه يقول: أقبلت راكبا على حمار أتان؛ يعني أنثى والنبي صلى الله عليه وسلم يصلي بأصحابه في منى يقول: وأنا يومئذ قد ناهزت الاحتلام، فمررت بين يدي بعض الصف ونزلت وأرسلت الأتان ترتع، ودخلت في الصف، فلم ينكر ذلك علي أحد.
ففي هذا أنه مر بين يدي بعض الصف على هذا الحمار ولم يقطعوا صلاتهم. أخذ من هذا أن الحمار لا يقطع لهذا الحديث؛ أي لا يبطل. وقيل: إن مروره لم يكن بينهم وبين موضع السجود، وإنما مر قدامهم، قد يكون بينه وبينهم عشرة أمتار أو خمسة أمتار، أطلق أنه مر بين يديهم، والعادة أنه يكون بعيدا فلا يدل هذا على أن الحمار لا يقطع. وأما الكلب فلم يرد فيه استثناء إلا حديث عن الفضل بن العباس ذكر أن أباه خرج مرة في بادية، زارهم النبي صلى الله عليه وسلم في باديتهم.
يقول: ولنا كليبة وحمار فصلى وهما يلعبان بين يديه: الحمار والكليبة. فاستدل بهذا على أن الحمار والكلب أيضا لا يقطعان، ولكن هذا الحمار والكلب بعيدة عنهم، إنما هي في القبلة بينه وبين القبلة وهو في العادة يصلي إلى سترة، فلا يكون فيه دليل على أنها لا تبطل الصلاة إذا مرت بين يدي المصلي. ثم جاء حديث آخر في السترة إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة فإن لم يجد فليخط خطا فجعل الخط قائما مقام السترة التي تكون بين يدي المصلي. والحديث وإن كان فيه مقال لكنه ضعف ينجبر ولأجل ذلك يعمل به الأئمة.
استحب الإمام أحمد إذا خط خطا أن يكون كالهلال؛ يعني كأنه نصف دائرة دليل على أنه اعتبر ذلك لأن المصلي إذا أقبل على صلاته قصر نظره على هذا الخط ولم يرفعه إلى غيره. لم يرفع بصره إلى ما وراءه فيكون الخط كالسترة، كما لو كانت هناك سترة منصوبة كمعلم أو حجر، أو نحو ذلك. فهذا دليل على أن القصد حد البصر عن أن يتشوش بما ينظر إليه؛ يتشوش بالنظر إليه.